المندوبيات الجهوية للتنمية الفلاحية تستولي على الاعتمادات المخصصة لصيانة شبكات الري وتستعملها في تمويل انشطتها وخلاص اجور الموظفين !
تصنف تونس ضمن الدول التي تعدت خط الفقر المائي لتصل الى خط الشح المائي وتعتبر بلادنا من افقر دول البحر الابيض المتوسط حيث لا تتجاوز حصة الفرد الواحد 450 متر مكعب وهي نسبة مرشحة للانخفاض لتبلغ اقل من 350 متر مكعب في افق سنة 2030 وفق توقعات الخبراء الذين اطلقوا انذارات عديدة حول ضرورة الانتباه الى خطورة مسألة المياه في تونس واهمية ضبط استراتيجية واضحة وجماعية لمواجهة خطر ندرة المياه
وفي مقابل اتفاق المختصين في علم المناخ والعارفين بملف المياه حول الاخطاء الكثيرة التي تطبع سياساتنا المائية لازالت اجهزة الدولة تراوح مكانها ولم تقم بأية خطوات حقيقية لمعالجة سوء التصرف في مواردنا المائية.
والامثلة عن فشل الوزارات والمؤسسات المعنية بإدارة منظومة المياه كثيرة نذكر منها:
- عدم الجدية في مزيد تعبئة مياه الامطار عبر خزنها في السدود او في الموائد الجوفية لتجديد احتياطاتها تحسبا لسنوات الاستغلال المفرط والجفاف حيث تقدر مواردنا المائية التي تتم تعبئتها سنويا بحوالي 4٫8 مليار متر مكعب من مجموع معدل تساقطات في حدود 36 مليار متر مكعب سنويا. ويبلغ حجم مياه الامطار الضائعة عبرالتبخر في المناطق الرطبة والسيلان في البحر 19,7 مليار متر مكعب اي بنسبة ٪55 من المعدل الجملي للتساقطات
- ارتفاع نسبة الترسبات بالسدود ومجاري الاودية وهي نسبة تصل في عديد الحالات الى ٪50 وتقارب 23 مليون متر مكعب في السنة وهو ما ينعكس سلبيا على الطاقة التخزينية للسدود التي من المفروض ان تتعدها الدولة بالجهر والتنظيف بصفة متواترة خاصة ان الفصل 44 من الدستور ينص على ان "المحافظة على الماء وترشيد استغلاله واجب على الدولة والمجتمع"
- استغلال المندوبيات الجهوية للتنمية الفلاحية للاعتمادات المخصصة لأشغال الصيانة المتعلقة بمياه الري واستعمالها في خلاص اجور الموظفين وتمويل انشطة المندوبيات، وهذا ما يفسر الحالة المتردية لشبكات الري في المناطق السقوية وارتفاع مؤشرات ضياع المياه بهذه المناطق الى مستوى ٪50 سنويا.
750 مليون دينار خسائر سنوية نتيجة سوء إدارة الجمعيات المائية
حسب الإحصائيات الرسمية، توجد بالبلاد التونسية 2500 جمعية مائية، نصفها يسير منظومات مائية لتزويد المناطق الريفية بالماء الصالح للشراب أما النصف الأخر فهو يقوم بتسيير منظومات الري بالمناطق السقوية.
و يدير كل جمعية مائية فريق يضم 5 إلى 7 أعضاء من المتطوعين من سكان تلك المنطقة الريفية الذين لا يمتلكون مهارات في تسيير المنظومات المائية بالرغم من أنها تسهر على إدارة 80% من الموارد المائية بالبلاد التونسية أي أنها تدير قسطا من المياه أكبر أربع مرات مما تستغله الشركة الوطنية لاستغلال و توزيع المياه
ومن خلال قراءتنا لواقع هذه المجامع المائية نتبين ان اغلبها قد فشلت في القيام بمهامها وتحمل مسؤولياتها نتيجة غياب الحوكمة في التسيير
ولئن تلجا السلط المعنية الى تبرير هذا الفشل بعنصري المديونية والربط العشوائي فان هذا التبرير فيه خلط متعمد بين الأسباب و النتائج للتمويه ، إذ أن المديونية والربط العشوائي ما هما إلا نتيجة حتمية لسوء الحوكمة داخل الجمعيات المائية التي كان من المفروض ان تضطلع بدور محوري في تطوير الانتاج الفلاحي السقوي لكنها تحولت الى مشكل وعائق امام تحقيق هذا الهدف واصبحت مساهما في ضياع الثروة المائية عوض المحافظة عليها
ذلك ان نسبة ضياع الماء في شبكات تزويد المناطق السقوية تصل الى حدود 50% حسب دراسة نشرتها مؤسسة "المخطط الأزرق" واذا ما احتسبنا كلفة المتر المكعب المعد للري حوالي 400 مليم، نجد أن الخسائر الناتجة عن التسربات في شبكات المياه بالمناطق السقوية تصل إلى حدود 750 مليون دينار في السنة نتيجة سوء إدارة الجمعيات المائية،
وهذا الفشل في الادارة والتسيير ادى الى اضمحلال العديد من الجمعيات المائية و بالتالي إلى خراب المنشآت المائية و شبكات المياه التي عادة ما يتم انجازها بتمويل من المجموعة الوطنية
ففي معتمدية سجنان من ولاية بنزرت مثلا سجّل في العشر سنين الأخيرة غلق 7 جمعيات مائية كما أغلق نفس العدد في معتمدية بوحجلة من ولاية القيروان. و إذا ما قدرنا أن كلفة انجاز شبكة مياه لتزويد منطقة سقوية أو منطقة ريفية بالماء يناهز المليون دينار فإن الخسائر في المعتمديتين المذكورتين تبلغ 14 مليون دينارا مع العلم أن كلفة شبكة مياه لري منطقة سقوية تصل أحيانا الى 30 مليون دينار، ولنا أن تتصور حجم الخسائر في بلد يضم 264 معتمدية