40٪ نقص الصابة
هكذا تخسر تونس تمرها ...
تؤكد عديد الدراسات الفنية والعلمية ان تونس بإمكانها تحقيق نسب افضل وارقام ارفع على مستوى انتاج وتصدير التمور في صورة تعميم مواصفات الجودة لهذا المنتوج كما تفرضه المعايير الدولية اضافة الى التوقي من الافات الزراعية لأنه عندما تتوفر العناية اللازمة بالنخلة فهي قادرة على اعطاء انتاج يصل الى حدود 100 كغ من التمر والحال ان معدل انتاج النخلة الواحدة حاليا هو 66 كلغ
ومن ناحية اخرى تخسر تونس سنويا نسبا هامة من تمورها بسبب نقص مياه الري في الواحات وارتفاع اسعارها اذ يتسبب
تعريض النخلة للعط وخاصة النخيل المنتج الى انخفاض في معدل نمو الجريد وقد يصل هذا الانخفاض الى ٪80 عن النمو العادي الى جانب تردي صفات الثمار من ناحية الحجم واللون والرطوبة
تتنوع مشاكل الفلاحين وتختلف مطالبهم من جهة الى اخرى ولكن يبقى القاسم المشترك بين جميع الفلاحين من شمال البلاد الى جنوبها هو الاحساس بتقصير الدولة في الوقوف الى جانب الفلاح الذي يرابط بحقله ويناضل يوميا - في الم وصمت - ويتحدى قساوة الطبيعة وقسوة الادارة من اجل الانتاج وخدمة اقتصاد البلاد.
ويمثل قطاع التمور شاهدا ومثالا معبرا عن السياسة الفلاحية «الظالمة» التي لازالت بلادنا مصرة على اعتمادها رغم ما اثبتته من فشل وما خلفته من خسائر ظل يدفع فاتورتها الفلاح لوحده.
ذلك ان قطاع التمور الذي يمثل محور الحياة في واحات الجنوب التونسي ويدر على بلادنا مداخيل هامة من العملة الصعبة لازال يمر بظروف صعبة ويعاني من تجاهل الدولة التي لازالت تتعامل مع هذا القطاع كمجرد رقم في حسابات التصدير وترفض دعم المنتجين الذين يعيش الوطن من خيراتهم وينمو على اكتافهم وفي المقابل لا يجنون غير «الجحود» او بعضا من الوعود التي لا يلقى اغلبها طريقه الى التنفيذ.
- الادارة حاضرة بالغياب
يؤكد توفيق التومي رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحري بقبلي ان قطاع التمور رغم مساهمته الفاعلة في حركة التصدير لازال قطاعا مهمشا وثانويا ضمن اهتمامات الحكومة التي لم تبادر الى حد الان بمعالجة النقائص
والمشاكل الهيكلية للقطاع وفي مقدمتها مشكل التوسعات الخاصة او الغراسات الجديدة وهي غراسات انجزها الفلاحون بمجهود خاص وتؤمن حوالي ٪70 من صابة التمور بالجهة ولكنها مازالت الى حد الان محرومة من كافة المنح والتشجيعات بسبب رفض الدولة ادماج هذه الغراسات ضمن المجال الواحي المعترف به رسميا.
وفي حديثه عن التقصير الاداري بين التومي ان وزارة الفلاحة كانت سببا مباشرا في ضياع نسبة هامة من صابة التمور بسبب تأخرها وتهاونها في مقاومة مرض تيبس النخيل الذي تسبب وفق تقديرات اولية في اتلاف حوالي ٪40 من الصابة.
واوضح في هذا السياق ان اللجنة الوطنية التي تم احداثها صلب الوزارة قصد تنفيذ خطة شاملة وسريعة للمداواة ضد هذا المرض بقيت مجرد لجنة ادارية «تسكن المكاتب المغلقة» ولم تحقق اية نتائج ملموسة على ارض الميدان.
واعتبر توفيق التومي ان تهاون الدولة في حماية صابة التمور خلال الموسم الحالي بقدر ما يمثل خسارة للفلاحين فهو يشكل ايضا خسارة فادحة للاقتصاد الوطني الذي سيدفع فاتورة نقص الانتاج من خلال تراجع حجم الصادرات التي تحتل التمور مرتبة متقدمة ضمنها.
الدولة بعد ان رفعت الدعم عن البلاستيك واجبرت المنتجين على التوجه نحو الناموسية تخلت عن دورها التنظيمي والرقابي وتركت الفلاحين على اعتاب السوق السوداء
وزارة الفلاحة كانت سببا في ضياع نسبة هامة من الصابة بسبب تأخرها وتهاونها في مقاومة مرض تيبس النخيل
- الكلفة ترهق المنتجين
بالعودة الى تفاصيل تقدم موسم التمورفي ولاية قبلي التي زارتها مجلة «تونس الخضراء» بدت حركة الاستعداد لجمع الصابة تأخذ منحى تصاعديا وبدأ الحديث عن بورصة الاسعار التي يتحكم فيها الوسطاء والمصدرون ويكتفي فيها الفلاح بدور الضحية بقرار واصرار من الاجهزة الادارية المشرفة على القطاع والتي تتهاون في سن قوانين تحمي المنتجين وتضمن لهم هامش ربح يرتقي الى قيمة كلفة الانتاج التي تصاعدت بوتيرة متسارعة في السنوات الاخيرة.
ذلك ان واحات النخيل تتطلب مصاريف باهضة وتمر بعديد المراحل حتى تكون جاهزة للجني ، ففي مرحلة اولى يقوم الفلاح بعملية التلقيح وتمتد هذه العملية من بداية شهر مارس الى اواخر شهر ماي وتستوجب التدخل مرتين على الاقل للنخلة الواحدة وفي مرحلة ثانية يقوم الفلاح بعملية تنظيم العراجن او ما يسمى بـ «التمليص» بعد ذلك تأتي عملية تغليف العراجن لحماية المنتوج من الامطار ثم في مرحلة اخرى الجني وبعد ذلك تنظيف النخلة والى جانب هذه التدخلات تنضاف مصاريف الري التي تصل في بعض المناطق الى 6 دينارات للساعة الواحدة ومصاريف تهيئة الارض والاسمدة واليد العاملة وغلاء مادتي البلاستيك والناموسية.
- واحاتنا دون عمال !
من المشاكل الاخرى التي اثارها منتجو التمور في لقاءاتنا معهم هو مشكل نقص اليد العاملة المختصة القادرة على القيام بالعمليات الدقيقة التي تتطلبها النخلة خاصة عملية تلقيح الثمار بواسطة «الذكار» وهي عملية دقيقة تتطلب عمالة مختصة تتسلق جذوع النخيل الشاهقة وتتسلل بين جريد النخلة واشواكها اضافة الى اختصاصات «القطاع» الذي توكل له مهمة فصل العراجين من النخلة و«المدار» و«اللقاط» و«العدّال» وان اليد العاملة القادرة على انجاز هذه المهمات اصبحت نادرة وباهضة الثمن حيث ان تلقيح النخلة الواحدة من فصيلة دقلة نور تبلغ حوالي 5 دينارات في حين تقدر عملية تغليف العراجين بـ 10 دينارات للنخلة وهو ما - يفرض حسب رأي عديد المنتجين - العمل على ادخال الميكنة في منظومة التمور والا سنلتجئ في المستقبل غير البعيد الى استيراد اليد العاملة التي تهتم بشؤون واحاتنا ومن المتناقضات اننا نرفع كل يوم الشعارات المطالبة بالتشغيل.
قطاع التمور الذي يمثل محور الحياة في واحات الجنوب التونسي ويدر على بلادنا مداخيل هامة من العملة الصعبة لازال يمر بظروف صعبة ويعاني من تجاهل الدولة التي لازالت تتعامل مع هذا القطاع كمجرد رقم في حسابات التصدير
- وضعية معقدة
من المتناقضات التي وقفنا عليها خلال زيارتنا لولاية قبلي هو استمرار الدولة في دعم الواحات القديمة التي تهترم نخيلها وضعفت مردوديتها وهجرها الفلاحون مقابل رفضها تمكين الواحات الجديدة التي تمثل مستقبل القطاع من اية منحة.
وعن هذه الوضعية المعقدة تحدث فلاح بالواحات الجديدة مبينا ان الواحات القديمة تمثل المجال الواحي الوحيد المعترف به رسميا والمنتفع بكل امتيازات الدولة وتشجيعاتها ومنحها باعتبار ان الاراضي التي اقيمت عليها تتمتع بالشرعية في ملكيتها لكن يكاد يكون الاجماع حاصلا على ان هذه الواحات فقدت جدواها وقدرتها على الانتاج نتيجة تهرمها واصبحت لا تساوي ما ينفق عليها من اعتمادات عمومية مما دفع الاجيال الجديدة وخاصة الباعثين الشبان واصحاب رؤوس الاموال الباحثين عن فرص استثمارية يهجرون هذه الواحات القديمة ويتجهون نحو احداث غراسات جديدة تسمى اليوم في الجهة بـ«التوسعات» او «الواحات الفوضوية» وهي غراسات اقيمت على اراض تتميز بصبغة الاشتراكية في ملكيتها.
وقد بادر اصحاب هذه الغراسات الجديدة بحفر اعداد كبيرة من الابار السطحية وانجاز مشاريع للطاقة الشمسية على نفقتهم الخاصة دون ان يواجهوا بأي اعتراض رسمي من قبل الاطراف الادارية المعنية وهو سكوت فهمه الجميع على انه موافقة على هذه المشاريع ولذلك فقد اتسعت رقعة هذه الاحداثات وازدادت الغراسات لتصل الى حوالي ٪80 من المساحة الجملية للواحات بقبلي.
ولكن مع ذلك يظل الصمت حول هذه الواحات غير مترجم الى اعتراف رسمي تستفيد بموجبه هذه الواحات من تشجيعات الدولة .
ويبقى السؤال مطروحات الى متى تظل التوسعات هي التي تحقق اعلى نسبة من الانتاج والتصدير وتتمتع الواحات القديمة العقيمة بالامتيازات وتستأثر بها.
الفلاحون يطالبون بضرورة حمايتهم من سطوة المصدرين والمحتكرين الذين يتحكمون في الاسعار ويسيطرون بقوة النفوذ والمال على سوق التمور
- ديوان التمور... متى يرى النور
غالبا ما ترافق الاستعدادات لموسم جني التمور مطالب ملحة من الفلاحين بضرورة حمايتهم من سطوة المصدرين والمحتكرين الذين يسيطرون بقوة النفوذ والمال على سوق التمور ويضغطون على الاسعار وفق مصالحهم متجاهلين مصلحة الفلاح الذي لايزال للاسف الحلقة الاضعف في المنظومة.
حيث يتم مع بداية كل موسم - وفق خطة ممنهجة - التكتم على اسعار التمور في مستوى التصدير ولا يصل المجتهد في البحث عن هذاالامر الى غير اقتراحات لقائمة اسعار مرجعية تصدر ضمن وثائق غير رسمية ومحضر اجتماع للمصدرين بمقر المجمع المهني المشترك للغلال .
وتمثل الاسعار الواردة في هذه الوثائق حدا ادنى مرجعيا غالبا ما لا يتناسب مع حقيقة الاسعار التي تم على اساسها عملية التصدير.
وفي محاولة للضغط على الاسعار وتنزيلها نزولا مفتعلا يقوم المصدرون كذلك بالتوقف عن شراء التمور كلها توفر لهم في وحدات التكييف ما يؤمن من تشغيل هذه الوحدات فترة توهم الفلاحين بالخطر والخوف على الصابة فيضطرون للتفويت فيها بأسعار تقل عن كلفة الانتاج احيانا.
وامام هذه الفوضى التي تشهدها سوق التمور وبالنظر الى ما يتعرض له المنتجون من استغلال في غياب قانون يحميهم وهيكل واضح يضمن مصالحهم فقد اصبح احداث ديوان وطني للتمور مطلبا ملحا ومستعجلا لتنظيم هذا القطاع الاستراتيجي الذي يعاني ازمة تتعلق بتسييره وادارته خاصة على مستوى الاسعار وتنظيم العلاقة بين مختلف حلقاته من منتجين ومجمعين ومصدرين.
فمتى يتحقق هذا المطلب ومتى يرى ديوان التمور النور؟
- تمر"المجهول" على خط المنافسة
اضافة الى ما يعانيه من مشاكل داخلية يقف قطاع التمور اليوم امام عديد التحديات الخارجية من اهمها المنافسة على استقطاب الاسواق الجديدة اضافة الى المحافظة على الاسواق التقليدية التي يعمل المنافسون على دخولها.
وفي هذا السياق يتوقع بعض الخبراء والعارفين بالسوق العالمية للتمور امكانية تراجع صادرات دقلة النور الى المغرب والتي تبلغ حاليا حوالي 30 الف طن لأن للمغرب برنامج لتحقيق الاكتفاء الذاتي من دقلة النور في المستقبل.
كما ينبهون الى ضرورة الاهتمام بالمنافسة التي تفرضها نوعية تمر « المجهول» الذي ينتج خاصة في الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل ويطلقون عليه اسم ملك التمر وهو اكبر حجما من دقلة النر اذ تزن حبة المجهول ما بين 20 و 30 غرام بينما تزن حبة التمر العادية ما بين 6 و 11 غراما وتغزو حاليا اسرائيل السوق العالمية بحوالي ٪35 من هذه النوعية وهي تنتج حوالي 30 الف طن سنويا. ولمواجهة هذه التحديات لابد ان تعمل هياكل المساندة بالتعاون الوثيق مع المهنيين من اجل البحث عن اسواق جديدة في اسيا وامريكا وافريقيا وضبط خطة لتنويع انتاج التمور وتطويره حتى يكون قادرا على المنافسة وحتى لاتخسر تونس موقعها الريادي في السوق العالمية.
- ناموسية الصين لحماية العراجين !
- عراجين تونس تحت رحمة الناموسية الصينية !
- الدقلة التونسية تحت رحمة الناموسية الصينية
مع انطلاقة موسم حماية الصابة او ما يعرف بموسم التغليف يحرص الفلاحون على تغطية عراجين التمور بأغشية «الناموسية» لحمايتها من اخطار الامطار و«سوسة التمر»
وبقدر ما تمثل «الناموسية» حلا للوقاية من مخاطر الطبيعة فإنها اصبحت تشكل في السنوات الاخيرة مشكلا حقيقيا بسبب غياب الشفافية وبروز ظاهرة الاحتكار والتجارة الموازية في مادة الناموسية التي طرحتها الدولة كبديل للبلاستيك ولاقت استحسان الفلاح نظرا لسهولة استعمالها وامكانية اعادة استغلالها في اكثر من موسم.
لكن الدولة بعد ان رفعت الدعم عن البلاستيك واجبرت المنتجين على التوجه نحو «الناموسية» تخلت عن دورها التنظيمي والرقابي وتركت الفلاحين على اعتاب السوق السوداء التي تبلغ فيها «الناموسية» اضعاف ثمنها الاصلي .
ومختصر الحديث كما يقول احد الفلاحين الذين التقيناهم ان «الدولة برمجت هذه السنة توريد 4 ملايين و500 الف وحدة من الناموسية بدعم قدره 7 مليارات على ان تقسم هذه الكمية على موزعين بالتساوي ثم يعيدون بيعها بالتفصيل للفلاح وفق الاسعار المدعمة - هذا ما يتم على الورق - ولكن على ارض الواقع فإن عملية التوزيع لا تخضع للشفافية المطلوبة ويتم احتكارها من طرف عدد محدود من اصحاب المال الذين يقومون بالترفيع في الاسعار وبذلك لا يتمتع الفلاح بحقه في الدعم الموظف على الناموسية.
ولعل السؤال الذي يطرح في هذا السياق من المسؤول عن احتكار الناموسية ؟ ولماذا لا تنتج ناموسية تونسية تغنينا عن التبعية الى السوق الصينية التي نعتمد عليها كليا في توريد هذه المادة التي لا نخالها صعبة التصنيع في بلادنا !.."