يعتبر قطاع الفلاحة من أهم مقومات الاقتصاد التونسي فهو الذي يوفّر قوت الشعب ويضمن الأمن الغذائي وهو الذي أنقذ تونس في عديد المناسبات بعد تراجع السياحة وكساد الصناعة وانخفاض مخزون البلاد من العملة الصعبة.
واليوم تحتاج الفلاحة التونسية الى الكثير من المقومات حتى تبقى في صدارة القطاعات الداعمة للاقتصاد والمساهمة في توفير العملة الصعبة وتحقيق الاكتفاء الغذائي
ومن بين هذه المقومات دفع إقبال الشباب على العمل في الفلاحة خاصة في ظل "تهرم" هذا القطاع الذي تجاوز اكثر من نصف الناشطين فيه سن الستين وهو رقم سلبي وتزداد سلبيته عندما يرتبط بضعف المستوى التعليمي لهؤلاء الفلاحين
ولعل كل هذه المؤشرات تدفع الى التساؤل عن اسباب عزوف الشباب عن النشاط في الفلاحة وكذلك عن العمل في هذا القطاع الذي يشهد على خلاف بقية القطاعات الأخرى نقصا فادحا في اليد العاملة على الرغم من أنّ البطالة في تونس مرتفعة
الفلاحة تتهرّم والشباب يتهرّب
يعرف قطاع الفلاحة تهرّما شديدا ويشكو من ضعف كبير في إقبال الشباب عليه حيث تبين الأرقام أن 6 % فقط من العاملين في الفلاحة أعمارهم تقل عن 35 سنة في حين تقدر نسبة الفلاحين الذين تفوق أعمارهم الستين سنة ب43 %
وبفعل هذا "التهرم" أصبحت عديد القطاعات الفلاحية في مواجهة مشكل ندرة اليد العاملة في ظل هروب ونفور الشباب التونسي من مهنة الفلاحة التي غالبا ما ترتبط في ذهنية المجتمع بالمتاعب والمصاعب والربح القليل
وأمام حالة "التصحر الشبابي" و"الفقر العمالي" التي يعيشها القطاع الفلاحي تناقلت وسائل إعلام تونسية في سنة 2015، أن بعض الفلاحين قد طلبوا من وزارة الفلاحة والدولة استقدام يد عاملة إفريقية خاصة خلال مواسم جني الزيتون التي تحتاج إلى عشرات الآلاف من العمال.
وزير الفلاحة خلال تلك الفترة سعد الصديق نفى في تصريح لمجلّة "تونس الخضراء" أن تكون وزارة الفلاحة قد تلقت طلبات لجلب يد عاملة أجنبية في سنة 2015 مؤكدا أن بعض المقاولين في تونس هم فقط من طلبوا الترخيص لهم لاستقدام يد عاملة من دول إفريقية نظرا لنقص اليد العاملة في علاقة بالأعمال الشاقّة مثل حضائر البناء.
وفي ما يخصّ نقص اليد العاملة الفلاحية في تونس، قال سعد الصديق أن النشاط الفلاحي عمل شاقّ وفيه عديد المخاطر والعامل يضطر للعمل في درجة حرارة مرتفعة وكذلك أثناء الأمطار والرياح دون التمتع بأي غطاء تأميني ضد هذه المخاطر وهو ما جعل الشباب يعزفون عن الفلاحة باعتبارها مهنة شاقة من ناحية وباعتبارها ايضا مهنة موسمية لا توفر دخلا قارا.
وفي هذا السياق حمل وزير الفلاحة السابق المسؤولية الأولى في هذا العزوف إلى الدولة التي لم توفر للشباب الظروف الملائمة والمشجعة على النشاط والاستثمار في الفلاحة من خلال فرض مسألة التمويل الذاتي التي تمثل عائقا كبيرا أمام المبادرة بإنجاز المشاريع الفلاحية التي تحتاج لفترة سنتين او اكثر حتى تعطي ثمارها و تتطلب امكانيات مالية لتمويل هذه الفترة وهي امكانيات لا تتوفر لدى اغلبية الشباب التونسي .
سامي النصري: النشاط الفلاحي غير مثمّن اجتماعيا
قال المختص في علم النفس سامي النصري لـ“تونس الخضراء“ أنه ليس هنالك عزوف فقط من قبل الشباب على النشاط الفلاحي بل هنالك عزوف مجتمعي كامل عن الحديث في الشأن الفلاحي وأهميته في الاقتصاد التونسي.
وأضاف أن العمل الفلاحي ليس من الأعمال المثمنة في المجتمع ولا يعطي لصاحبه مكانة اجتماعية ولذلك يبدو العزوف عن الفلاحة منطقيا وهذا بسبب تجاهل وسائل الإعلام وكذلك المجتمع المدني لقيمة هذا النشاط.
وأكد النصري أن هنالك تفاعل إيجابي مع مهن أخرى ولكن هذا التفاعل يغيب عند الحديث عن العمل الفلاحي الذي تنقصه استراتيجية اتصالية ناجعة من الدولة والمجتمع المدني من أجل تثمين هذا النشاط وإعطائه قيمته الحقيقية.
وأوضح أن هنالك أكثر من 21 ألف جمعية تنشط في تونس و لكن لا توجد من بينها أية جمعية تهدف إلى تغيير العقلية في تعامل المجتمع والدولة مع النشاط الفلاحي.
وأفاد النصري أنه على مستوى الذهنية المسيطرة على المجتمع التونسي وهنالك نظرة دونية للعمل اليدوي عموما وللعمل الفلاحي خصوصا مقابل إعطاء قيمة ووجاهة و"بريستيج" للعمل الفكري والمهن الإدارية.
وأشار أيضا إلى انتشار ظاهرة الربح السريع و بأقل جهد لدى الشباب إلى جانب انتشار ثقافة الاستثمار في الوهم وهو ما يبرز خاصة من خلال الإقبال الكبير على برامج الألعاب في القنوات التلفزية ومسابقات الرهان الرياضي.
وبيّن النصري أن النشاط الفلاحي يحتاج إلى الكثير من العمل والجهد و الربح فيه يتطلب الكثير من الصبر والوقت على عكس ما يريده الشباب الذين يبحثون عن الربح السهل والسريع في إطار انتشار ثقافة التقاعس.
وأضاف أن الإعلام نادرا ما يهتم بالجانب الفلاحي رغم قيمته وحتى على المستوى الأكاديمي لا نجد تقريبا ولو دراسة وحيدة في الجامعات تهتم بمسألة العزوف على النشاط الفلاحي.
واعتبر سامي النصري أن الدولة مطالبة بمراجعة أخطائها وسياساتها من خلال إقرار خطة كاملة واستراتيجية متكاملة لتحقيق "المصالحة" بين الشباب والفلاحة مع إقرار تشجيعات جديدة تجعل من القطاع الفلاحي قطاعا مربحا وجاذبا للشبان
كما يتعين على وسائل الإعلام و مكونات المجتمع المدني أن تتحرك وتقوم بتوجيه رسائل إيجابية للقوى الشبابية لتحفيزهم على العمل والاستثمار في الفلاحة التي تمثل أهم قطاع اقتصادي وهي مستقبل تونس ولا بد على جيل المستقبل أن يكون على وعي تام بذلك