إذا ضاعت الفلاحة..ضاع الوطن !

تاريخ النشر 16/02/2021


فلاحتنا "هرمت" وشبابنا يفضل البطالة على العمل في الفلاحة… لماذا!

مطمورة روما” “تونس الخضراء” كلها صفات تؤكد أن تونس بلاد فلاحية بامتياز، وهي حقيقة أكدها التاريخ، كما تؤكدها الجغرافيا .. إلا أن واقع الأمر والأرقام تؤكد أن كل ذلك إما ماض غابر عفا عنه الزمن، أو طموحات لم تجد الأرضية الخصبة لتترعرع واقعيا.
عديد الدراسات  أشارت إلى عمق الأزمة الفلاحيّة في تونس ولا شيء في الأفق يوحي بإمكانية تجاوزهذه الازمة لأن الارادة السياسية تكاد تكون منعدمة والتفكير في توفير الحلول يكاد يغيب تماما عن الدوائر الرسمية لتتواصل بذلك مشاكل الفلاحة وما يصاحبها من عزوف الشبان عن العمل في هذا المجال وتراجع المساحات الزراعية واستفحال المديونية وغيرها من الصعوبات التي تجعل أمن تونس الغذائي محل خطر داهم.

مشاكل متراكمة
من الصعب جدا إيجاد التوصيف المناسب للفلاحة التونسية هل هي سقوية أم بعلية؟ لأنه حتى السقوي منها يعاني من شح كبير في المياه؛ إذ تعاني العديد من مناطق الوسط والجنوب الشرقيّ من اضطرابات على مستوى التوزيع والإمداد، وهو ما أثّر سلبا على الإنتاج الفلاحيّ السقويّ في تلك المناطق، ودفع بالعديد من الفلاحين إلى اعتماد الآبار الارتوازيّة كبديل، وهو ما يسبّب استنزافاً للمائدة المائية، ويهدّد بأزمة عطش مزمنة، بل حتى المناطق التي تعتبر غنية بالماء في الشمال تحديدا تعاني من صعوبات في توفير المياه أمام غياب بنية تحتية ملائمة للتصرف في مياه السدود وإيصالها إلى الأراضي بأيسر الطرق وليس بوسائل تزيد من مصاعب الفلاح وتعمق مديونيته.
من مشاكل الفلاحة أيضا ما يسميه الخبراء بـ”الأميّة الفلاحيّة” إذ تبلغ نسبة الفلاحين غير المواكبين للتطورات التكنولوجية في القطاع 46٪، وهو ما يعني أن نسبة “عصرنة” الفلاحة التونسية ضعيفة مقارنة حتى ببلدان قريبة منا أو بلدان أوضاعها مشابهة لأوضاع بلادنا، وهو ما يحدّ من القدرة التنافسية لمنتجاتنا المعوّل عليها كثيرا في العملية التصديرية  ...

ارتفاع الكلفة وتقلّص هامش الربح دفع عديد الفلاحين إلى رمي المنديل والسعي إلى التخلص من أراضيهم وتغيير أنشطتهم

معضلة أخرى للفلاحة التونسية هي من الخطورة بمكان، وهي معضلة عزوف الشبان المتزايد عن ممارسة الأنشطة الفلاحيّة، إذ يمثل الفلاحون الذين تجاوزوا 60 عاما نسبة 43٪، وهي مشكلة تبيّن تأثيرها المباشر على القطاع الفلاحيّ الذي صار يشكو من نقص اليد العاملة على المستوى الكميّ والنوعيّ. والغريب أن الدولة والهياكل المعنية لم تتحرك لمعالجة هذه المعضلة رغم التنامي الكبير لعدد العاطلين عن العمل الذين يمكن استيعاب عدد كبير جدا منهم في القطاع الفلاحي بعد تلقيهم للتكوين اللازم والتمويل الضروري، فتضرب الدولة بذلك عصفورين بحجر واحد، فتنزل نسبة البطالة بصورة ملحوظة، وتضخ دماء جديدة في الفلاحة تطور من أنشطتها وتضاعف من مردوديتها.
المديونية من آفات الفلاحة في تونس، وسببت تراجعا حادا في مردوديّتها؛ لأن التكاليف في ارتفاع متواصل على مستوى اليد العاملة والأسمدة والتجهيزات الفلاحيّة والمحروقات التي ارتفعت أسعارها بشكل متسارع منذ سنة 2011، وهو ما قلّص من هامش الربح ودفع عديد الفلاحين إلى رمي المنديل والسعي إلى التخلص من أراضيهم وتغيير أنشطتهم.
أزمة عند الرخاء وأزمة عند الشدة
من مفارقات الفلاحة التونسية أن العاملين فيها يعانون عند الرخاء وعند الشدة أيضا، فإن انحبست الأمطار وقلّ الإنتاج، فإن سيف البنوك يهددهم، وعند الرخاء وتوفر “الصابة” فإن مشكل الترويج وبيع منتجاتهم يؤرقهم؛ لأن المجامع المختصة في استقبال المنتجات سواء الحبوب أو الألبان أو الطماطم أو غيرها، تعجز عن استقبال الكميات الوافرة أو تماطلهم وتقبل منهم المنتوج بأسعار لا تغطي في أحيان كثيرة تكلفة الإنتاج، وهو ما أجبر الفلاحين في أكثر من مناسبة وأكثر من جهة على التخلص من منتوجاتهم على قارعة الطريق في خطوات احتجاجية للفت النظر إلى معاناتهم، كما أن صغر حجم السوق المحليّة وتسلط الوسطاء وصعوبات مسالك التوزيع تحبط عزائم الفلاحين الذين يجدون صعوبات في التصدير أيضا؛ لغياب اللوجستيك المتمثل في النقل الجوي الضامن لسرعة وصول المنتجات إلى الخارج دون تلف.
تخلف الصناعات الغذائية
تراجع الفلاحة وتواضع الإنتاج انعكس بالسلب على قطاع مهمّ كان يمكن أن تكون له مردودية اقتصادية واجتماعية مهمة بتوفير عائدات للدولة من خلال التصدير، وللفلاحين بتسهيل ترويج منتجاتهم، وامتصاص نسبة محترمة من البطالة، فالصناعات التحويليّة الغذائيّة في تونس بقيت متخلفة رغم أنها تعتبر اليوم ذات أهميّة كبرى في دعم اقتصاديات الدول؛ لما تحقّقه من تكامل مع القطاع الفلاحي لأنها من محفزات تطويره، كما تحقق بآفاقها التصديرية العالية التوازن للميزان التجاري وتساهم في تغطية الواردات.

من مفارقات الفلاحة التونسية أن العاملين فيها يعانون عند الرخاء وعند الشدة أيضا، فإن انحبست الأمطار وقلّ الإنتاج، فإن سيف البنوك يهددهم، وعند الرخاء وتوفر “الصابة” فإن مشكل الترويج يخنقهم