تصدير المنتوجات الفلاحية نحو الأسواق الإفريقية
الفرص موجودة والبرامج مفقودة
الاندماج الاقتصادي في الفضاء الافريقي يجب ان ينتقل من الخطب والشعارات الى الخطط والاستراتيجيات
تتمتع القارة الإفريقية بالعديد من المقومات الاقتصادية والميزات التفاضلية التي أهلتها إلى أن تكون وجهة استثمارية وتصديرية لعدد كبير من الدول.
و حسب مؤشر البنك الدولي، تمتلك السوق الإفريقية إمكانايات اقتصادية هائلة، ففي تقرير للبنك حول أسرع الدول نمواً في العالم سنة 2018، احتلت إفريقيا ستة مواقع من ضمن ال10 مراتب الأولى ، كما تشير أرقام صندوق النقد الدولي إلى أن منطقة إفريقيا جنوب الصحراء ستشهد ارتفاعاً في النمو من 3.7% في 2020 إلى 4% في عام 2022.
وتعتبر إفريقيا احد اكبر الأسواق الاستهلاكية في العالم ومن المتوقع أن يصل عدد سكانها البالغ حوالي 1.2 مليار شخص حالياً إلى 1.7 مليار بحلول عام 2030 مع حدوث أكثر من 80% من النمو السكاني داخل المدن على مدى العقود القليلة القادمة.
وستدفع التغييرات الديموغرافية للقارة الإفريقية نحو نمو الإنفاق الاستهلاكي، فخلال ال8 سنوات المقبلة، من المتوقع أن يرتفع الإنفاق الاستهلاكي في القارة بمقدار تريليون دولار مع انتقال الطبقات الوسطى إلى المدن وتزايد طلبهم على المنتجات الاستهلاكية.
وفي الوقت الذي تتهافت فيه كبرى دول العالم على الاستفادة من الفرص الهامة والأفاق الواعدة التي توفرها السوق الافريقية لازالت تونس تسير بخطى بطيئة في طريق الانفتاح على هذه السوق ولازال حضورها الاقتصادي في القارة السمراء باهتا ودون المأمول.
ذلك انه على الرغم من الجهود المبذولة منذ سنوات من أجل تنمية المبادلات التجاريّة مع افريقيا ، فإنّ حجم هذه المبادلات لم يتجاوز 700 مليون دينار وقيمة الصادرات لم تتجاوز نسبة 2 % من مجمل الصادرات ، في حين يقّدر حجم مبادلات المغرب التجاريّة مع إفريقيا بـ 7 مليار دولار، وتمثل صادرات هذا البلد نحو الأسواق الأفريقيّة نسبة 10 % من مجمل الصادرات، وهي نسبة مرشحة للزيادة لتصل إلى 20 %.
ورغم محاولة الدولة تعديل بوصلتها تجاه الأسواق الإفريقية فإن المبادلات التجارية مع دول القارة مازالت ضعيفة لاسيما في ما يتعلق بالمبادلات التجارية في قطاع الفلاحة والصيد البحري حيث لم تتجاوز الصادرات الفلاحية التونسية تجاه الأسواق الإفريقية نسبة 25 % وهي نسبة ضعيفة مقارنة بحجم السوق الافريقية وبرقم المعاملات التجارية مع بلدان الاتحاد الاوروبي التي تحتكر نصيب الأسد من الصادرات الفلاحية بنسبة تتجاوز 50 % .
ويبرز ضعف الحضور التونسي في القارة الافريقية خاصة في قطاع زيت الزيتون حيث كشفت البيانات الصادرة عن ديوان الزيت ان نسبة صادرات زيت الزيتون تجاه القارة الافريقية لم تتعد الـ 1 % متوزعة بدرجة أولى على السوق المغربية تليها السيشال ثم الكوت ديفوار وغانا في حين يمثل الاتحاد الأوروبي الوجهة الكلاسيكية الأولى لصادرات زيت الزيتون التونسي بنسبة تتجاوز 70 %
خارطة التصدير
تتوزع الصادرات التونسية بنسب ضعيفة ومتفاوتة بين عدد قليل من دول القارة الإفريقية ، حيث تصدر تونس منتجاتها الفلاحية الغذائية أساسا الى السوق الليبية بنسبة 13.84 %، تليها المغرب (5 % ) والجزائر (2.33 %) ومصر (0.75 %) والغابون (0.71 %) والكوت ديفوار (0.63 %)
وفي ما يتعلق بالواردات تستورد تونس 72 % من المنتجات الفلاحية و الغذائية من أوروبا فيما تستورد 7 % فقط من الأسواق الإفريقية.
وتتطلع بلادنا إلى مضاعفة مبادلاتها التجارية مع الأسواق الإفريقية لا سيما بعد دخولها في سلسلة مشاورات تقنية وفنية من أجل إتمام الانضمام للتكتل الاقتصادي لمنطقة التجارة الحرة الإفريقية (ZLECA ) والذي ينتظر أن يكون التكتل الاقتصادي الأكبر على مستوى القارة باعتباره يستهدف 55 دولة افريقية .
كما انضمت تونس مؤخرا بعد اكثر من 3 سنوات من التفاوض إلى السوق المشتركة للشرق والجنوب الإفريقي "الكوميسا" التي تعد من اكبر التجمعات الاقتصادية الاقليمية باعتبارها تمتد على مساحة 12 مليون كم2 وتضم 500 مليون ساكن ويصل ناتجها الداخلي الاجمالي الى حوالي 700 مليار دولار وتقدر وارداتها السنوية ب165 مليار دولار
وسيتيح انضمام بلادنا الى هذه للسوق التمتع بتخفيضات في المعاليم الديوانية الموظفة على الصادرات التونسية بنسب يصل معدلها الى 17 بالمائة والاستفادة من خطوط التمويل والمساعدات المالية التي يقدمها البنك الافريقي للتنمية وغيره من المؤسسات المالية الدولية في مجال تنمية الصادرات الى دول افريقيا
ولا شك ان مجمل هذه الاتفاقيات والتكتلات التي انخرطت فيها تونس ستدفع نحو مزيد ادماج بلادنا في عمقها الافريقي ولكنها لا يمكن ان تمثل لوحدها الحل الحقيقي لاقتحام السوق الافريقية وانتزاع موقع متقدم ضمنها والاستفادة بصفة قوية مما تتوفره من فرص هامة لتسويق منتوجاتنا الوطنية وبصفة خاصة المنتوجات الفلاحية التي تواجه تونس صعوبة في تصديرها حينما يكون الانتاج وفيرا على غرار الصابة القياسية لزيت الزيتون التي يتطلب احكام التصرف فيها البحث عن اسواق جديدة والتقليل من الاعتماد على الاسواق التقليدية.
الاستراتيجية المطلوبة
ان ضمان الحضور الفعلي والفاعل لتونس في السوق الافريقية يتطلب وضع استراتيجيّة متكاملة للتموقع بأكثر فاعلية في الفضاء الافريقي والاستفادة من الإمكانات الاقتصادية التي تتوفّر في العديد من بلدان القارة التي ارتفعت نسب نمّوها في السنوات الأخيرة بصورة ملحوظة، في الوقت الذي تشهد فيه العديد من دول الاتحاد الأوروبي، الشريك الأوّل لبلادنا، ركودا اقتصاديّا.
وتقوم هذه الاستراتيجية على ثلاثة محاور مترابطة ذات بعد سياسي ودبلوماسي واقتصادي.
البعد السياسي
انّ أيّة سياسة خارجيّة لا يمكن أن يكون لها تأثير وصدى إلّا متى تجسّمت المبادىء والثوابت التي ترتكن إليها على أرض الواقع، ووظّفت أحسن توظيف في خدمة مصالح البلاد الحيويّة من خلال مواقف صائبة وخطط عمل مجدية، وإلّا فإنّها ستتحوّل إلى أدبيات وشعارات تصلح فقط لصياغة الخطب والتصريحات.
وقد دأب المسؤولون منذ الاستقلال على تأكيد تمسّك تونس بانتمائها الافريقي واهتمامها بشواغل القارة وتضامنها مع شعوبها، لكن الخطاب لا يقترن دوما بالفعل، وكثيرا ما تتعطّل المبادرات ومسارات التحرّك في اتجاه افريقيا بسبب انعدام المتابعة وغياب الرؤية الاستشرافيّة.
وقد سعت الدبلوماسيّة التونسيّة في الحقيقة، إلى بناء قواعد لسياسة افريقيّة من خلال ما تراكم لدى إطاراتها وأعوانها من تجارب وخبرات في تعاملهم مع شؤون القارة، غير أنّ ما حال دون التقدّم في بلورتها ووضعها موضع التنفيذ ضعف الإيمان بالخيار الافريقي، كأحد خيارات تونس الجوهرية، مقابل التوجه، بالدرجة الأولى، إلى المحيط الأوروبي والمتوسطي.
ولئن كان لهذا التوجّه في السابق دوافع ومبرّرات يمكن تفهّمها، فإنّ واقع افريقيا السياسي والاقتصادي الجديد وحاجة البلاد الملحّة إلى الانفتاح على فضاءات، خارج دائرة شركائها التقليديين، يحتّمان العمل على إقرار سياسة افريقيّة فاعلة ورفدها بما يلزم من موارد بشريّة وماليّة ووسائل تحرّك دبلوماسي ناجع.
البعد الدبلوماسي
من أهداف الاستراتيجية التي يتعيّن تحقيقها تعزيز العلاقات السياسيّة والاقتصاديّة مع الدول الإفريقية وتوسيع دائرتها لتشمل سائر بلدان القارّة. وفضلا عن تبادل الزيارات في أعلى مستوى وعقد اجتماعات اللجان المشتركة والسهر على متابعة تنفيذ ما تسفر عنه من اتفاقيات تعاون في مختلف المجالات وتمكين عدد من الطلبة الأفارقة من منح تخوّل لهم مزاولة دراستهم في تونس بما يجعلهــم بعد تخرجهـــم دعاة لبلادنا وأنصارا لها في المستقبل، يجدر السعي إلى تكثيف الحضور الدبلوماسي في مختلف مناطق القارة، من خلال فتح سفارات، ولو بصورة تدريجية، في دول لها من الإمكانات الاقتصاديّة ما يسمح بترويج المنتوجات الوطنيّة في أسواقها، ويتيح إقامة شراكة فاعلة مع قطاعيها العام والخاص.
ولا جدال في أنّ شبكة بعثاتنا الدبلوماسيّة الحاليّة ليست لها القدرة الكافية على ضمان التموقع المرجو في الفضاء الافريقي، حيث يقتصر عددها على 8 بعثات فقط (باماكو وداكار وياوندي وأبيدجان وكينشاسا وأبوجا وأديس أبابا وبريتوريا) في حين لمصر 37 سفارة وللجزائر والمغرب 20 سفارة لكلّ بلد منهما.
البعد الاقتصادي
لتجاوز المبادرات الظرفيّة المتمثّلة في بعثات المصدرين ورجال الأعمال وإقامة معارض للمنتوجات التونسيّة، يستوجب الاندماج في الفضاء الاقتصادي الافريقي توفّر آليتين ضروريتين، وهما النقل الجوّي والبحري والمنظومة البنكيّة، بالإضافة إلى أهميّة السند الدبلوماسي الذي سبق ذكره.
ففـــي ما يخــصّ النقــل الجــوّي، تبقى الحـــركة محـــدودة ،إذ تقتصـر رحلات شــــركة الخطــــوط الجويّة التونسيّة في اتجاه البلدان الأفريقيّة، إذا ما استثنينا بلدان المغـــرب العـــربي ومصـــر، على أربعة عــواصم وهي باماكو وداكار وواقدوقو وأبيدجان.
وقصد تيسير نقل البضائع والمسافرين، قد يكون من المفيد توسيع نطاق رحلات الناقلة الوطنيّة بعد إعداد دراسة جدوى بشأن فتح خطوط جديدة وتشجيع الشركات الخاصّة على المساهمة في توسيع الشبكة.
أمّا بالنسبة إلى النقل البحري، فقد يكون كذلك من المناسب دعوة الناقلين الخواص إلى فتح خطين في اتجاه ميناء دوالا في الكاميرون، غرب القارة، وميناء جيبوتي، في القرن الافريقي.
ومن البديهي أنّ المنظومــة البنكيـــة تضطلع بـــدور هـــامّ في تسهيـــل التجـــارة والمعـــاملات المـــاليّة، ممّا يستـــدعي التفكير في الصيغ الملائمة لتحفيز القطاع البنكي، العام والخاص، على فتح فروع أو استحداث مؤسســـة بنكيّة في أفـــريقيا لتسهيل المعاملات المالية وتطوير التجارة البينيّة مع بلدان القارة.